سورة الذاريات - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الذاريات)


        


{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)}
{هَلْ أتاك} تفخيم للحديث وتنبيه على أنه ليس من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما عرفه بالوحي. والضيف للواحد والجماعة كالزور والصوم؛ لأنه في الأصل مصدر ضافه، وكانوا اثني عشر ملكاً. وقيل: تسعة عاشرهم جبريل.
وقيل ثلاثة: جبريل، وميكائيل، وملك معهما. وجعلهم ضيفاً؛ لأنهم كانوا في صورة الضيف: حيث أضافهم إبراهيم. أو لأنهم كانوا في حسبانه كذلك. وإكرامهم: أنّ إبراهيم خدمهم بنفسه، وأخدمهم امرأته، وعجل لهم القِرى أو أنهم في أنفسهم مكرمون. قال الله تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26]. {إِذْ دَخَلُواْ} نصب بالمكرمين إذا فسر بإكرام إبراهيم لهم؛ وإلا فبما في ضيف من معنى الفعل. أو بإضمار أذكر {سلاما} مصدر سادّ مسدّ الفعل مستغنى به عنه. وأصله: نسلم عليكم سلاماً، وأمّا {سلام} فمعدول به إلى الرفع على الابتداء. وخبره محذوف، معناه: عليكم سلام، للدلالة على ثبات السلام، كأنه قصد أن يحييهم بأحسن مما حيوه به، أخذا بأدب الله تعالى. وهذا أيضاً من إكرامه لهم. وقرئا مرفوعين. وقرئ: {سلاما} قال {سلما} والسلم: السلام. وقرئ {سلاما قال سلم} {قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} أنكرهم للسلام الذي هو علم الإسلام. أو أراد: أنهم ليسوا من معارفه أو من جنس الناس الذين عهدهم، كما لو أبصر العرب قوماً من الخزر أو رأى لهم حالاً وشكلاً خلاف حال الناس وشكلهم، أو كان هذا سؤالاً لهم، كأنه قال: أنتم قوم منكرون، فعرّفوني من أنتم {فَرَاغَ إلى اأهله} فذهب إليهم في خفية من ضيوفه؛ ومن أدب المضيف أن يخفي أمره، وأن يبادره بالقرى من غير أن يشعر به الضيف، حذراً من أن يكفه ويعذره. قال قتادة: كان عامة مال نبي الله إبراهيم: البقر {فَجآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ}. والهمزة في {أَلا تَأْكُلُونَ} للإنكار: أنكر عليهم ترك الأكل. أو حثهم عليه {فَأَوْجَسَ} فأضمر. وإنما خافهم لأنهم لم يتحرّموا بطعامه فظن أنهم يريدون به سوءاً.
وعن ابن عباس: وقع في نفسه أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب.
وعن عون بن شداد: مسح جبريل العجل بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمّه {بغلام عَلِيمٍ} أي يبلغ ويعلم.
وعن الحسن: عليم: نبيّ، والمبشر به إسحاق، وهو أكثر الأقاويل وأصحها؛ لأن الصفة صفة سارّة لا هاجر، وهي امرأة إبراهيم وهو بِعلها.
وعن مجاهد: هو إسماعيل {فِى صَرَّةٍ} في صيحة، من: صر الجندب، وصرّ القلم وصرّ الباب، ومحله النصب على الحال، أي: فجاءت صارّة. قال الحسن: أقبلت إلى بيتها وكانت في زاوية تنظر إليهم، لأنها وجدت حرارة الدم فلطمت وجهها من الحياء، وقيل: فأخذت في صرة، كما تقول: أقبل يشتمني. وقيل: صرتها قولها: أوه. وقيل: يا ويلتا.
وعن عكرمة: رنتها {فَصَكَّتْ} فلطمت ببسط يديها. وقيل: فضربت بأطراف أصابعها جبهتها فعل المتعجب {عَجُوزٌ} أنا عجوز، فكيف ألد {كَذَلِكِ} مثل ذلك الذي قلنا وأخبرنا به {قَالَ رَبُّكِ} أي إنما نخبرك عن الله، والله قادر على ما تستبعدين. وروى أنّ جبريل قال لها: انظري إلى سقف بيتك، فنظرت فإذا جذوعه مورقة مثمرة.


{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37)}
لما علم أنهم ملائكة وأنهم لا ينزلون إلا بإذن الله رسلاً في بعض الأمور {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ} أي: فما شأنكم وما طلبكم {إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ} إلى قوم لوط {حِجَارَةً مّن طِينٍ} يريد: السجيل، وهو طين طبخ كما يطبخ الآجر، حتى صار في صلابة الحجارة {مُّسَوَّمَةً} معلمة، من السومة، وهي العلامة على كل واحد منها اسم من يهلك به. وقيل: أعلمت بأنها من حجارة العذاب. وقيل: بعلامة تدل على أنها ليست من حجارة الدنيا. سماهم مسرفين، كما سماهم عادين، لإسرافهم وعدوانهم في عملهم: حيث لم يقنعوا بما أبيح لهم. الضمير في {فِيهَا} للقرية، ولم يجر لها ذكر لكونها معلومة. وفيه دليل على أنّ الإيمان والإسلام واحد، وأنهما صفتا مدح. قيل: هم لوط وابنتاه. وقيل: كان لوط وأهل بيته الذين نجوا ثلاثة عشرة.
وعن قتادة: لو كان فيها أكثر من ذلك لأنجاهم، ليعلموا أن الإيمان محفوظ لا ضيعة على أهله عند الله {ءَايَةً} علامة يعتبر بها الخائفون دون القاسية قلوبهم. قال ابن جريج: هي صخر منضود فيها. وقيل: ماء أسود منتن.


{وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)}
{وَفِى موسى} عطف على {وَفِى الأرض ءايات} أو على قوله: {وَتَرَكْنَا فِيهَا ءايَةً} على معنى: وجعلنا في موسى آية كقوله:
عَلَفْتُهَا تِبْناً وَمَاءً بَارِداً ***
{فتولى بِرُكْنِهِ} فأزورّ، وأعرض، كقوله تعالى: {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} [فصلت: 51] وقيل: فتولى بما كان يتقوّى به من جنوده وملكه. وقرئ: {بركنه}، بضم الكاف {وَقَالَ ساحر} أي هو ساحر {مُلِيمٌ} آت بما يلام عليه من كفره وعناده، والجملة مع الواو حال من الضمير في فأخذناه.
فإن قلت: كيف وصف نبيّ الله يونس صلوات الله عليه بما وصف به فرعون في قوله تعالى: {فالتقمه الحوت وَهُوَ مُلِيمٌ} [الصافات: 142]؟ قلت: موجبات اللوم تختلف وعلى حسب اختلافهما تختلف مقادير اللوم، فراكب الكبيرة ملوم على مقدارها، وكذلك مقترف الصغيرة. ألا ترى إلى قوله تعالى {وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ} [هود: 59]، {وعصى ءادَمُ رَبَّهُ} [طه: 121] لأنّ الكبيرة والصغيرة يجمعهما اسم العصيان، كما يجمعهما اسم القبيح والسيئة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7